«وَبَعْدَمَا صَرَفَ الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ مُنْفَرِدًا لِيُصَلِّيَ. وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ كَانَ هُنَاكَ وَحْدَهُ» ( مت 14: 23 )
بعد معجزة إشباع الخمسة آلاف، وبعد النشاط الجم الذي عمله المسيح، كان محتاجًا للراحة، وهو وجد راحته في الصلاة. والمسيح كان رجل الصلاة، وإنجيل لوقا يُحدثنا ليس أقل من سبع مرات عن صلوات الرب يسوع ( لو 3: 21 ؛ 5: 16؛ 6: 12؛ 9: 18، 29؛ 11: 1؛ 22: 44). لكن هذه هي المناسبة الوحيدة، بحسب إنجيل متى، بخلاف صلاته في بستان جثسيماني، التي ذُكر فيها أنه صلى.
ويذكر البشير متى أن المسيح «كَانَ هُنَاكَ (فَوْق الْجَبَل) وَحْدَهُ» ( مت 14: 23 ). هذا ما بدا للعيان، ولكنه يقينًا لم يكن وحده، فقد كان في معيَّة الآب ( يو 16: 32 ). لقد كان يقينًا في معيَّة الآب، وفي الشركة معه كان يُجدد نشاطه: «مِنَ النَّهْرِ يَشْرَبُ فِي الطَّرِيقِ، لِذلِكَ يَرْفَعُ الرَّأْسَ» ( مز 110: 7 ).
وصلاة المسيح هنا فوق الجبل لها ارتباط وثيق بالوضع الذي أمامنا. فإن كان التلاميذ يعبرون البحر المضطرب العاصف بدون المسيح، فإنه ليس مشغولاً عنهم، بل إنه مشغول بهم، ويصلي من أجلهم. ويقول البشير مرقس إن المسيح «رَآهُمْ مُعَذَّبِينَ فِي الْجَذْفِ» ( مر 6: 48 ). هذه الحادثة تُمثِّل إذًا خدمة المسيح لنا في الوقت الحاضر، فنحن اليوم نجتاز في العالم المضطرب الهائج، والمسيح مُقَدِّس ذاته لأجلنا، وهو «يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ» ( عب 7: 25 ). لقد مات فوق الصليب لأجلنا، ثم مضى إلى السماء، يتوسل لصالحنا. وما زلنا موضوع محبته واهتمامه. فالذي مات لأجلنا في الجلجثة، حي لأجلنا في السماء.
الكاتب: يوسف رياض
تم تحميل محتوى هذه الصفحة بالتعاون مع موقع طعام و تعزية