«مَنْ أَحَبَّ طَهَارَةَ الْقَلْبِ، فَلِنِعْمَةِ شَفَتَيْهِ يَكُونُ الْمَلِكُ صَدِيقَهُ» ( أم 22: 11 )
إن النعمة التي خلَّصت المؤمن هي أيضًا التي تُجمِّلُهُ بفضائل كثيرة. الزنار الجميل الذي يشد هذه الفضائل معًا هو الذوق الصالح، الأسلوب المسيحي الراقي الذي يُزين ويُعَطِرّ سلوكه وأقواله.
لاحظ الحكمة والرقة التي يتبعها الرسول بولس في عرض قضية أنسيمس في رسالته إلى فيلمون، مع أنه يجوز له بسلطانه الرسولي أن يأمر فليمون، لكنه يلتمس من أجل أنسيمس، بكل وداعة ولطف وبتوسلات المحبة. هذه الرسالة القصيرة ترسم أمامنا نموذجًا مباركًا للتغيير الحقيقي الواضح الذي يجريه الحق المسيحي في النفس، فتسمو به فوق أعراف وعادات الناس، وتُعلِّمنا كيف يتعامل الواحد منا مع أخيه بطريقة راقية مُعطَّرة بالمحبة المسيحية، مُستخدمًا الألفاظ المناسبة والأسلوب اللائق، مراعيًا مشاعر وأحاسيس غيره.
اسمع دانيآل الشاب المسبي وهو يتكلَّم مع مسئول كبير في بابل (دا1)؛ دانيآل التقي الذي جعل في قلبه ألا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه، بإصرار مقدَّس لا فصال فيه، لكنه لم يقل لرئيس الخصيان: “لن نرضخ لكم مهما كلف الأمر ... وافعل ما شئت بنا”! لكنه يلتمس بأسلوب رقيق مهذب وحكيم، قائلًا له: «جَرِّبْ عَبِيدَكَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ. فَلْيُعْطُونَا الْقَطَانِيَّ لِنَأْكُلَ وَمَاءً لِنَشْرَبَ. وَلْيَنْظُرُوا إِلَى مَنَاظِرِنَا أَمَامَكَ وَإِلَى مَنَاظِرِ الْفِتْيَانِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مِنْ أَطَايِبِ الْمَلِكِ. ثُمَّ اصْنَعْ بِعَبِيدِكَ كَمَا تَرَى. فَسَمِعَ لَهُمْ هذَا الْكَلاَمَ وَجَرَّبَهُمْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ» ( دا 1: 12 -14). وهكذا أعطاه الرب نعمة في عينيه؛ «مَنْ أَحَبَّ طَهَارَةَ الْقَلْبِ، فَلِنِعْمَةِ شَفَتَيْهِ يَكُونُ الْمَلِكُ صَدِيقَهُ» ( أم 22: 11 ). القلب العفيف واللسان اللطيف صنوان لا يفترقان. الذوق الصالح أبعد ما يكن عن الشفاه الملقة، ولا حتى مجرد مهارة في الحوار وإجادة التعبير وحسن الكلام. الأمر يتعلق بحالة القلب الذي منه مخارج الحياة.
الكاتب: أيمن يوسف
تم تحميل محتوى هذه الصفحة بالتعاون مع موقع طعام و تعزية