« فَوَزَنُوا أُجْرَتِي ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ. فَقَالَ لِي الرَّبُّ: أَلْقِهَا إِلَى الْفَخَّارِيِّ، الثَّمَنَ الْكَرِيمَ الَّذِي ثَمَّنُونِي بِهِ» ( زك 11: 13 )
ندم يهوذا، ولكن ما عاد للندامة أي نفع، وردَّ الثلاثين من الفضة إلى رفقائه في الشر، لأنها صارت ثقلاً على قلبه وضميره لا يُطَاق حمله، ولكنهم بعد أن حصلوا على غاية قلوبهم لم يعودوا يُبالون به في ندامته ولا في إقراره ببراءة الرب. لقد كان عليهم بحسب وظيفتهم أن يُرشدوا يهوذا إلى الحق، ولكنهم بالعكس شاركوه في الظُلم، ولما أقر بذنبه قالوا له: «مَاذَا عَلَيْنَا؟ أَنْتَ أَبْصِرْ!»، وعند ذلك طرح لهم الفضة في الهيكل ومضى وخنق نفسه. وهكذا عادت فضتهم إليهم فصاروا يتشاورون فيما يصنعون بها. ورغم إجرامهم استمروا متعصبين لديانتهم لذا لم يرضوا أن يجعلوها بين القرابين النقدية المُقدَّمة لله، فاشتروا بها مَقْبَرَةً لِلْغُرَبَاءِ. لقد أعمى الشيطان بصيرتهم في شراء دم ابن الله، لكنهم حافظوا على طهارة ما أسموه “خِزَانَةِ بَيْتِ الرَّبِّ”، فلم يريدوا أن يُدَنِّسُوها بوضع هذا المبلغ فيها. ولكن الغُرباء من الأمم الذين كانوا يموتون في أورشليم احتاجوا إلى موضع لدفن جثثهم فلم يجدوا بأسًا من أن يشتروا بهذه الفضة مقبرة للغُرباء، وبذلك أقاموا تذكاراً لإثمهم حيث سُمِّيَ الحقل: “حَقْلَ الدَّمِ” ( مت 27: 3 -10). وهكذا نرى الناس المتظاهرين بالتديُّن، ولهم صورة التقوى وهم مُنكرون قوتها، يكونون متعصبين لديانتهم، ومع ذلك يعيشون في شرور عظيمة.
«الثَّمَنَ الْكَرِيمَ الَّذِي ثَمَّنُونِي بِهِ»؛ كلمات الرب هنا توضح لنا عمق شعوره بالألم لرفضه واحتقاره من خاصته! كم أحزن هذا قلبه المُحِب الرقيق؟ فالرب الذي فَدَاهم من مصر، والذي أتى إليهم حاضرًا في وسطهم، كيهوه المُخلِّص، الظاهر بينهم كإنسان، ومع ذلك لم يكن لشخصه ولا لنعمته أي تقدير؟
الكاتب: رشاد فكري
تم تحميل محتوى هذه الصفحة بالتعاون مع موقع طعام و تعزية